قصص من الماضي

 


قـصـص من الـمـاضـي 

*هذه قصة من قصص الشعراء العرب الذين قضوا نحبهم عشقاً *
*وما أغرب قصة **صاحبنا هذه المرة وما أمتعها**.. *


*فأما هو**:*
*فهو الشاعر بشر من بنى عبد**العزى.. *



*وأما هي*


*فهي هند، فتاة من قومه بالغة الحسن والجمال وأما حالتها**الإجتماعية
فمتزوجة من رجل يقال له سعد بن سعيد، *
*وأما حالتها العاطفية فعاشقة حتى **الثمالة لبشر**.. *



*نظرت إليه مرة يوم كان يجتاز منزلها، **فلم تعد تملك إلاّ أن تنظر إليه
دوماً، حتى أدمنت المكوث كل غداة على دربه تنتظر **إجتيازه.*
*فإذا ما مر إضطرب كل شيء فيها إلا النظرة الثابتة إلى وجهه إلى أن تطويه
**المسافة بعيداً عنها، *
*دون أن يكلف نفسه عناء رمي نظرة أو إلقاء تحية أو القيام بأي **حركة
تحسسها بشغل حيز في حياته..*
*فتناجي نفسها وتقول**: *



*أهواكَ يا**بشرُ دون الناس كلهم=وغيركَ يهواني فيمنَعُهُ صدّي*


*تمرُّ ببابي لست تعرفُ ما**الذي=أكابدُ من شوقي إليكَ ومن بُعدي*


*فياليتني أرضٌ وأنتَ أمامها=تدوسُ بنعليك **الكرامِ على خدّي*


*ويا ليتني نعلاً أقيكَ من الحَفَا=ويا ليتني ثوباً أقيكَ من **البَرْدِ*


*تباتُ خليَّ البالِ من ألمِ الجَوَى=وقلبي كواهُ الحبُّ من شدّةِ**الوجدِ*


*وإنك إن قصَّرت عني ولم تزر=فلابُدَّ بعدَ الصدِّ أدفن في لحدي*



*ولما تجاوز الحب حدّه، دمّر حدوده وتحول إلى شعر يدوَّن ورسالة **توجه إليه
فكتبت ما يعتمر في داخلها، *
*ثم أخذت الجارية الكتاب وسارت به إلى بشر ولما**وصلت إليه سلمت عليه فرد
عليها السلام وسألها عن حاجتها**. *


*فقالت الجارية : " إني **جارية السيدة هند وقد أرسلتني إليك بكتاب هذا هو"*
*فأخذه وقرأه وفهم معناه ثم إلتفت **نحو الجارية وسألها: "هل سيدتك عذراء
أم ذات بعل**". *


*فقالت الجارية: "بل متزوجة **وزوجها موجود في المدينة**". *


*فرد بشر القول بالقول وواجه حبّها بالواجب المفروض **عليها تجاه زوجها
ودعاها إلى الإعتصام بكلام الله وقال **: *


*عليكِ **بتقوى الله والصَّبر إنّه=نهى عن فجور بالنساءِ مُوَحّدُ*


*وصبراً لأمرِ الله لا**تقربي الذي=نهَى اللهُ عنه والنبيّ محمدُ*


*فلا تطمعي في أن أزوركِ طائعاً=وأنت **لغيري بالخناءِ معوّد*


*وأخذت الجارية الكتاب وسلمته إلى سيدتها التي **عزّت عليها نفسها كثيراً
فبكت بكاء مراً وكتبت إليه تقول **: *

*أما تخش **يا بشر الإله فإنني لفي=حسرةٍ من لوعتي وتسهدي*


*فإن زرتني يا بشر أحييتَ **مهجتي=وربي غفورٌ بالعطا باسطُ اليد*


*ومرة أخرى عادت إليه الجارية برقعة **من سيدتها وصعب على بشر ما هي فيه
فكتب لها هذه الأبيات **:*


*أيا هند **هذا لا يليقُ بمسلمٍ=ومسلمةٌ في عصَمة الزوج فابعدي*


*أما تعلمي أن السَفاح **محرّمٌ=فحولي عن الفحشاءِ والعيبِ وارتدي*


*بهذا نهى دين النبيِّ محمدٍ=فتوبي إلى **مولاكِ يا هندُ ترشدي*



*لكن الكلمات كلها لم تكن لتكفيها في وصف ما**تكابده من حبه، وكل العادات
والقوانين ما كانت لتثنيها. *
*ولكنه لم ييأس بل دأب على **مراسلتها ليهديها فكتب **:*


*إن الذي منع الزيارة فاعلمي=خوف الفساد**عليك أن لا تعتدي*


*وأخافُ أن يهواكِ قلبي في الهوى=فأكون قد خالفتُ دينَ محمدِ*



*فلما وصلها هذا الكتاب انكمدت نفسها ومرضت فكتبت إليه تقول **: *


*أيا بشر ما أقسى فؤادَك في الهوى=ما هكذا الحبُ في مذهبِ الإسلامِ*


*إني **بُليت وقد تجافاني الصفا=فارحم خضوعي ثم زد بسلامِ*


*ضاقت قراطيسُ التراسل **بيننا=جفّ المدادُ وحفيت الأقلام*



*فلما وقف بشر على هذه **الأبيات أجابها بقوله **: *


*لا والذي رفعَ السماءَ بأمره=ودحى بساط الأرض باستحكامِ*


*وهو الذي بعثَ النبي محمداً=بشريعة الإيمان والإسلامِ*


*لم أعصِ ربي في هواك **وإنني=لمطهر من سائر الآثامِ*



*وحلف أن لا يمر بباب هند ولا**يقرأ لها كتاباً، فلما إمتنع كتبت له **:*


*سألت ربي فقد أصبحتَ لي شجنا=أن **تُبتلى بهوى من لا يُباليكا*


*حتى تذوقَ الذي ذقتُ من نَصَبٍ=وتطلب الوصل ممن لا**يواتيكا*


*وتشتكي محنة في الحب نازلة=وتطلب الماء ممن ليس يسقيكَ*


*بلاك ربي **بأمراض مسلسلةٍ=وبامتناع طبيب لا يداويكَ*


*ولا سروراً ولا يوماً ترى فرحا=وكل **ضرٍ من الرحمن يبليكَ*



*فلما بشر ترك الممر ببابها أرسلت **إليه بوصيفة لها فأنشدته هذه الأبيات*

*فقال للوصيفة **: *


*" لأمر ما لا أمر". *

*فلما**جاءت الوصيفة أخبرتها بقول بشر فكتبت وهي تقول**: *



*كفّر يمينك أن **الذنبَ مغفورُ=وأعلم بأنك أن كفّرت مأجورُ*


*لا تطردنّ رسولي وارثينّ له=إن**الرسولَ قليلُ الذنبِ مأمورُ*


*واعلم بأني أبيتُ الليلَ ساهرةً=ودمع عيني على **خديَّ محدورُ*


*أدعوه باسمِكَ في كربٍ وفي تعبٍ=وانت لاهٍ قريرُ العين مسرورُ*



*وأما هندٌ **فكيف تعيش إن حجب عنها؟؟*


*وأما بشر فقد **خاف على نفسه من الفضيحة فارتحل إلى بطحاء تراب ليلاً.*

*ووقفت جارية هند على أمره **فأعلمت سيدتها، فاشتد عليها ذلك ومرضت مرضاً
شديداً فبعث زوجها إلى الأطباء فقالت **له **: *


*"**لا تبعث إليّ طبيباً فإني عرفت دائي، قهرني جني في مغتسلي فقال لي :*
*تحولي **عن هذه الدار فليس لك في جوارنا خير**" *


*فأجابها الزوج: ما أهون هذا" فقالت: "إني **رأيت في منامي أن أسكن بطحاء
تراب" فقال: "اسكني بنا حيث شئت**" *


*فاتخذت هناك **داراً على طريق بشر وجعلت تمضي الأيام في النظر إليه كل غداة
إذا غدا **حتى برئت من مرضها وعادت إلى حسنها،*
*فقال لها زوجها: "إني لأرجو أن يكون لك عند**الله خير لما رأيت في منامك
أن أسكني بطحاء تراب فاكثري من الدعاء**". *


*وكانت مع **هند في الدار عجوز فأفشت إليها أمرها وشكت إليها ما أبتليت به
وأخبرتها أنها خائفة**أن يعلم بشر بمكانها *
*فيترك الممر ويأخذ طريقاً آخر*

*فقالت لها العجوز: *
*" لا تخافي **فإني أعلم لك أمر الفتى كله وإن شئت أقعدتك معه ولا يشعر
بمكانك" *

*فقالت "ليت ذاك قد **كان". ولما همّت العجوز بالإنصراف قالت لها هند**: *



*ساعديني واكشفي **عني الكروب=ثم نوحي عند نوحي ياجنوبْ*


*واندبي حظي ونوحي علناً=إن حاليَ بَعْده **شيءٌ غريبْ*


*ما رأت مثلي زليخا يوسفٍ=لا ولا يعقوب بالحزنِ العجيبْ*



*فقعدت العجوز على باب الدار حتى أقبل بشر فسألته أن يكتب لها رسالة **إلى
إبنها في العراق فقعد وراحت تملي عليه وهند تسمع كلامهما.*

*فلما فرغ قالت العجوز **لبشر:*
*"يا فتى، إني أراك مسحوراً " فقال لها : "ما أعلمك بذلك؟" *
*فأجابته: "ما قلت لك **إلا وأنا متيقنة فانصرف عني اليوم حتى أنظر في
أمرك**" . *


*ثم دخلت إلى هند **وبشّرتها قائلة:*
*إني أراه فتى حدثاً ولا عهد له بالنساء ومتى ما أتى وزيّنتك **وطيّبتك
وأدخلتك عليه غلبت شهوته وهواه دينه**. *


*وفي مرة كانت قد إتفقت فيها مع **هند، دعته لتنظر له نجمه فأدخلته إليها
وأغلقت الباب عليهما *
*فلم يشعر إلاّ والباب **أقفل ووقفت أمامه حسناء كأنها البدر وقد إرتمت عليه
وأخذته إليها وهي تقول**: *


*يا بشر واصلني وكنْ بي لطيفا=إني رأيتك بالكمالِ ظريفا*


*وانظر**إلى جسمي وما قد حلّ بي=فتراه صار من الغرام نحيفا*



*فلما رأها راعه **جمالها وعلم ببراعته أنها هند التي هجر مقره من أجلها
فتباعد عنها متعطفاً وأنشد **متلطفاً**: *



*ليس المليحُ بكاملٍ في حسنهِ=حتى يكونُ عن الحرامِ عفيفَا*


*فإذا تجنب عن معاصي ربه=فهنالك يدعى عاشقا وظريفا*




*وجاء زوج هند في **غير عادته في كل يوم فوجد مع إمرأته رجلاً في البيت
فطلقها وطوقه وجره وذهب به إلى **الحاكم*



*فبكى بشر أمام الحاكم وحلف بأنه ما كذب منذ أسلم وما كفر بالله **منذ آمن
به وقص على الحاكم قصته.*
*فبعث الحاكم إلى العجوز وهند فأقرتا بين يديه فقال**: "**الحمد لله الذي
أبان الحق". فأدب العجوز وأعاد هند إلى منزلها*





*بعد هذه الحادثة هاج بشر بحب هند وإنتظر إنتهاء عدتها ليخطبها،*
*لكن هند **رفضت أن تتزوجه بعد أن فضحها عند الحاكم،*
*فجاءها رسول من أهله يعلمها بأنه طريح **الفراش وقد يموت إن هي لم ترض به
فقالت:*

*"أماته الله فطالما أمرضني"*

*فكتب إليها **يقول**: *


*أرى القلب بعد الصبر أضحى مضيّعا=وأبقيت مالي في هواك مضيّعا*


*فلا تبخلي يا هندُ بالوصل وارحمي=أسير هوى بالحبِ صارَ مَضْيّعَا*


*فلما وصلتها الأبيات كتبت تحتها تقول**: *


*أتطلب يا غدَّار **وصلي بعدما=أسأت ووصلي منك أضحى مضيّعَا*


*ولما رجوتُ الوصلَ منك قطعته=وأسقيتني **كأساً من الحزن مُتْرَعا*


*واخجلتني عند النبي محمد=فكادت عيوني أن تسيل وتطلعا*



*وزادت هذه الأبيات من لوعته وأضرمت نيران الحب في قلبه فكتب **إليها**: *


*سلام الله من بعد البعاد=على الشمس المنيرةِ في البلادِ*


*سلام الله يا هندُ عليك =ورحمته إلى يومِ التنادي*

*وحقِّ الله لا ينساك **قلبي=إلى يوم القيامةِ يا مرادي*


*فرقّي وارحمي مضنى كَئيبا=فبشر صار ملقى في **الوسادِ*


*فداوي سقمه بالقرب يوماً=فقلبي ذابَ من ألم البعادِ*



*لكن جرحها كان أكبر من أن تبلسمه الكلمات وفضيحتها كانت أوسع **من أن
تحصرها الزفرات فردت عليه تقول**: *




*سلامُ الله من شمسِ البلاد=على **الصبَّ الموسد في المهادِ*


*فإن ترجُ الوصال وتشتهيه=فأنت من الوصالِ على بعادِ*


*فلست بنائلٍ منّي وصالاً=ولا يدنو بياضك من سوادي*


*ولا تبلغ مرادك من **وصالي=إلى يوم القيامةِ والتنادي*




*فلما وصل إليه الكتاب **إمتنع عن الطعام والشراب حتى إشتدت علّته وكانت له
أخت تواسيه فطلب منها أن تأتيه **بهند.*

*فلما علمت هند بأنه على آخر رمق من الحياة سارت معها إليه فوجدته يقول**: *


*إلهي إني قد بُليت من الهوى=وأصبحتُ ياذا العرش في أشغل الشغلِ*


*أكابد **نفساً قد تولّى بها الهوى=وقد ملّ إخواني وقد ملّني أهلي*


*وقد أيقنتْ نفسي بأني **هالكٌ=بهندٍ وأني قد وهبتُ لها قتلي*


*وأني وإن كانت إلي مُسيئة=يشقُّ عليَّ أن **تعذّب من أجلي*




*فبكت هند وبكى معها كل من كان حاضراً وأنشدت**: *


*أيا بشر حالك قد فنى جسدي=وألهب النار في جسمي وفي كبدي*


*وفاض دمعي **على الخدين منسكبا=وخانني الدهر فيكم وانقضى رشدي*


*ما كان قصدي بهذا الحال **أنظركم=لا والذي خلقَ الإنسانَ من كمدِ*



*فما سمع كلامها أوما إليها **وأنشد**: *


*أيا هند إذا مرّت عليك جنازتي=فنوحي بحزنٍ ثم في النوح **رنّمي*


*وقولي إذا مرّت عليك جنازتي=وشيري بعينيك عليَّ وسلّمي*


*وقولي رعاكَ **اللهُ يا ميَّتَ الهوى=وأسكنكَ الفردوسَ إن كنتَ مسلم*


*ثم شهق **شهقة وفارقت روحه الدنيا فلما رأته إرتمت عليه وأنشدت **:*



*أيا عينُ **نوحي على بشر بتغرير=ألا ترويه من دمعي بتقديرِ*


*يا عينُ أبكي من بعد الدموعِ **دما=لأنه كان في الطاعات محبورِ*


*لفقدِ بشرٍ بكيتُ اليومَ من كمدٍ=لا خير في **عيشةٍ تأتي بتكديرِ*


*ألقاك ربك في الجناتِ في غُرَفٍ=تلقى النعيم بها بالخير**موفورِ*



*ثم ألقت بنفسها عليه وحركوها فإذا هي ميتة فغسلوهما **ودفنوهما **معا*



*هذه قصة من قصص الشعراء العرب الذين قضوا نحبهم عشقاً *
*وما أغرب قصة **صاحبنا هذه المرة وما أمتعها**.. *


*فأما هو**:*
*<http://www.sudeer-up.com/upload//uploads/images/sudeer-19be035a69.jpg>*
*فهو الشاعر بشر من بنى عبد**العزى.. *



*وأما هي*
<http://www.sudeer-up.com/upload//uploads/images/sudeer-539a063fe7.jpg>


*فهي هند، فتاة من قومه بالغة الحسن والجمال وأما حالتها**الإجتماعية
فمتزوجة من رجل يقال له سعد بن سعيد، *
*وأما حالتها العاطفية فعاشقة حتى **الثمالة لبشر**.. *



*نظرت إليه مرة يوم كان يجتاز منزلها، **فلم تعد تملك إلاّ أن تنظر إليه
دوماً، حتى أدمنت المكوث كل غداة على دربه تنتظر **إجتيازه.*
*فإذا ما مر إضطرب كل شيء فيها إلا النظرة الثابتة إلى وجهه إلى أن تطويه
**المسافة بعيداً عنها، *
*دون أن يكلف نفسه عناء رمي نظرة أو إلقاء تحية أو القيام بأي **حركة
تحسسها بشغل حيز في حياته..*
*فتناجي نفسها وتقول**: *



*أهواكَ يا**بشرُ دون الناس كلهم=وغيركَ يهواني فيمنَعُهُ صدّي*


*تمرُّ ببابي لست تعرفُ ما**الذي=أكابدُ من شوقي إليكَ ومن بُعدي*


*فياليتني أرضٌ وأنتَ أمامها=تدوسُ بنعليك **الكرامِ على خدّي*


*ويا ليتني نعلاً أقيكَ من الحَفَا=ويا ليتني ثوباً أقيكَ من **البَرْدِ*


*تباتُ خليَّ البالِ من ألمِ الجَوَى=وقلبي كواهُ الحبُّ من شدّةِ**الوجدِ*


*وإنك إن قصَّرت عني ولم تزر=فلابُدَّ بعدَ الصدِّ أدفن في لحدي*



*ولما تجاوز الحب حدّه، دمّر حدوده وتحول إلى شعر يدوَّن ورسالة **توجه إليه
فكتبت ما يعتمر في داخلها، *
*ثم أخذت الجارية الكتاب وسارت به إلى بشر ولما**وصلت إليه سلمت عليه فرد
عليها السلام وسألها عن حاجتها**. *


*فقالت الجارية : " إني **جارية السيدة هند وقد أرسلتني إليك بكتاب هذا هو"*
*فأخذه وقرأه وفهم معناه ثم إلتفت **نحو الجارية وسألها: "هل سيدتك عذراء
أم ذات بعل**". *


*فقالت الجارية: "بل متزوجة **وزوجها موجود في المدينة**". *


*فرد بشر القول بالقول وواجه حبّها بالواجب المفروض **عليها تجاه زوجها
ودعاها إلى الإعتصام بكلام الله وقال **: *


*عليكِ **بتقوى الله والصَّبر إنّه=نهى عن فجور بالنساءِ مُوَحّدُ*


*وصبراً لأمرِ الله لا**تقربي الذي=نهَى اللهُ عنه والنبيّ محمدُ*


*فلا تطمعي في أن أزوركِ طائعاً=وأنت **لغيري بالخناءِ معوّد*


*وأخذت الجارية الكتاب وسلمته إلى سيدتها التي **عزّت عليها نفسها كثيراً
فبكت بكاء مراً وكتبت إليه تقول **: *

*أما تخش **يا بشر الإله فإنني لفي=حسرةٍ من لوعتي وتسهدي*


*فإن زرتني يا بشر أحييتَ **مهجتي=وربي غفورٌ بالعطا باسطُ اليد*


*ومرة أخرى عادت إليه الجارية برقعة **من سيدتها وصعب على بشر ما هي فيه
فكتب لها هذه الأبيات **:*


*أيا هند **هذا لا يليقُ بمسلمٍ=ومسلمةٌ في عصَمة الزوج فابعدي*


*أما تعلمي أن السَفاح **محرّمٌ=فحولي عن الفحشاءِ والعيبِ وارتدي*


*بهذا نهى دين النبيِّ محمدٍ=فتوبي إلى **مولاكِ يا هندُ ترشدي*



*لكن الكلمات كلها لم تكن لتكفيها في وصف ما**تكابده من حبه، وكل العادات
والقوانين ما كانت لتثنيها. *
*ولكنه لم ييأس بل دأب على **مراسلتها ليهديها فكتب **:*


*إن الذي منع الزيارة فاعلمي=خوف الفساد**عليك أن لا تعتدي*


*وأخافُ أن يهواكِ قلبي في الهوى=فأكون قد خالفتُ دينَ محمدِ*



*فلما وصلها هذا الكتاب انكمدت نفسها ومرضت فكتبت إليه تقول **: *


*أيا بشر ما أقسى فؤادَك في الهوى=ما هكذا الحبُ في مذهبِ الإسلامِ*


*إني **بُليت وقد تجافاني الصفا=فارحم خضوعي ثم زد بسلامِ*


*ضاقت قراطيسُ التراسل **بيننا=جفّ المدادُ وحفيت الأقلام*



*فلما وقف بشر على هذه **الأبيات أجابها بقوله **: *


*لا والذي رفعَ السماءَ بأمره=ودحى بساط الأرض باستحكامِ*


*وهو الذي بعثَ النبي محمداً=بشريعة الإيمان والإسلامِ*


*لم أعصِ ربي في هواك **وإنني=لمطهر من سائر الآثامِ*



*وحلف أن لا يمر بباب هند ولا**يقرأ لها كتاباً، فلما إمتنع كتبت له **:*


*سألت ربي فقد أصبحتَ لي شجنا=أن **تُبتلى بهوى من لا يُباليكا*


*حتى تذوقَ الذي ذقتُ من نَصَبٍ=وتطلب الوصل ممن لا**يواتيكا*


*وتشتكي محنة في الحب نازلة=وتطلب الماء ممن ليس يسقيكَ*


*بلاك ربي **بأمراض مسلسلةٍ=وبامتناع طبيب لا يداويكَ*


*ولا سروراً ولا يوماً ترى فرحا=وكل **ضرٍ من الرحمن يبليكَ*



*فلما بشر ترك الممر ببابها أرسلت **إليه بوصيفة لها فأنشدته هذه الأبيات*

*فقال للوصيفة **: *


*" لأمر ما لا أمر". *

*فلما**جاءت الوصيفة أخبرتها بقول بشر فكتبت وهي تقول**: *



*كفّر يمينك أن **الذنبَ مغفورُ=وأعلم بأنك أن كفّرت مأجورُ*


*لا تطردنّ رسولي وارثينّ له=إن**الرسولَ قليلُ الذنبِ مأمورُ*


*واعلم بأني أبيتُ الليلَ ساهرةً=ودمع عيني على **خديَّ محدورُ*


*أدعوه باسمِكَ في كربٍ وفي تعبٍ=وانت لاهٍ قريرُ العين مسرورُ*



*وأما هندٌ **فكيف تعيش إن حجب عنها؟؟*


*وأما بشر فقد **خاف على نفسه من الفضيحة فارتحل إلى بطحاء تراب ليلاً.*

*ووقفت جارية هند على أمره **فأعلمت سيدتها، فاشتد عليها ذلك ومرضت مرضاً
شديداً فبعث زوجها إلى الأطباء فقالت **له **: *


*"**لا تبعث إليّ طبيباً فإني عرفت دائي، قهرني جني في مغتسلي فقال لي :*
*تحولي **عن هذه الدار فليس لك في جوارنا خير**" *


*فأجابها الزوج: ما أهون هذا" فقالت: "إني **رأيت في منامي أن أسكن بطحاء
تراب" فقال: "اسكني بنا حيث شئت**" *


*فاتخذت هناك **داراً على طريق بشر وجعلت تمضي الأيام في النظر إليه كل غداة
إذا غدا **حتى برئت من مرضها وعادت إلى حسنها،*
*فقال لها زوجها: "إني لأرجو أن يكون لك عند**الله خير لما رأيت في منامك
أن أسكني بطحاء تراب فاكثري من الدعاء**". *


*وكانت مع **هند في الدار عجوز فأفشت إليها أمرها وشكت إليها ما أبتليت به
وأخبرتها أنها خائفة**أن يعلم بشر بمكانها *
*فيترك الممر ويأخذ طريقاً آخر*

*فقالت لها العجوز: *
*" لا تخافي **فإني أعلم لك أمر الفتى كله وإن شئت أقعدتك معه ولا يشعر
بمكانك" *

*فقالت "ليت ذاك قد **كان". ولما همّت العجوز بالإنصراف قالت لها هند**: *



*ساعديني واكشفي **عني الكروب=ثم نوحي عند نوحي ياجنوبْ*


*واندبي حظي ونوحي علناً=إن حاليَ بَعْده **شيءٌ غريبْ*


*ما رأت مثلي زليخا يوسفٍ=لا ولا يعقوب بالحزنِ العجيبْ*



*فقعدت العجوز على باب الدار حتى أقبل بشر فسألته أن يكتب لها رسالة **إلى
إبنها في العراق فقعد وراحت تملي عليه وهند تسمع كلامهما.*

*فلما فرغ قالت العجوز **لبشر:*
*"يا فتى، إني أراك مسحوراً " فقال لها : "ما أعلمك بذلك؟" *
*فأجابته: "ما قلت لك **إلا وأنا متيقنة فانصرف عني اليوم حتى أنظر في
أمرك**" . *


*ثم دخلت إلى هند **وبشّرتها قائلة:*
*إني أراه فتى حدثاً ولا عهد له بالنساء ومتى ما أتى وزيّنتك **وطيّبتك
وأدخلتك عليه غلبت شهوته وهواه دينه**. *


*وفي مرة كانت قد إتفقت فيها مع **هند، دعته لتنظر له نجمه فأدخلته إليها
وأغلقت الباب عليهما *
*فلم يشعر إلاّ والباب **أقفل ووقفت أمامه حسناء كأنها البدر وقد إرتمت عليه
وأخذته إليها وهي تقول**: *


*يا بشر واصلني وكنْ بي لطيفا=إني رأيتك بالكمالِ ظريفا*


*وانظر**إلى جسمي وما قد حلّ بي=فتراه صار من الغرام نحيفا*



*فلما رأها راعه **جمالها وعلم ببراعته أنها هند التي هجر مقره من أجلها
فتباعد عنها متعطفاً وأنشد **متلطفاً**: *



*ليس المليحُ بكاملٍ في حسنهِ=حتى يكونُ عن الحرامِ عفيفَا*


*فإذا تجنب عن معاصي ربه=فهنالك يدعى عاشقا وظريفا*




*وجاء زوج هند في **غير عادته في كل يوم فوجد مع إمرأته رجلاً في البيت
فطلقها وطوقه وجره وذهب به إلى **الحاكم*



*فبكى بشر أمام الحاكم وحلف بأنه ما كذب منذ أسلم وما كفر بالله **منذ آمن
به وقص على الحاكم قصته.*
*فبعث الحاكم إلى العجوز وهند فأقرتا بين يديه فقال**: "**الحمد لله الذي
أبان الحق". فأدب العجوز وأعاد هند إلى منزلها*





*بعد هذه الحادثة هاج بشر بحب هند وإنتظر إنتهاء عدتها ليخطبها،*
*لكن هند **رفضت أن تتزوجه بعد أن فضحها عند الحاكم،*
*فجاءها رسول من أهله يعلمها بأنه طريح **الفراش وقد يموت إن هي لم ترض به
فقالت:*

*"أماته الله فطالما أمرضني"*

*فكتب إليها **يقول**: *


*أرى القلب بعد الصبر أضحى مضيّعا=وأبقيت مالي في هواك مضيّعا*


*فلا تبخلي يا هندُ بالوصل وارحمي=أسير هوى بالحبِ صارَ مَضْيّعَا*


*فلما وصلتها الأبيات كتبت تحتها تقول**: *


*أتطلب يا غدَّار **وصلي بعدما=أسأت ووصلي منك أضحى مضيّعَا*


*ولما رجوتُ الوصلَ منك قطعته=وأسقيتني **كأساً من الحزن مُتْرَعا*


*واخجلتني عند النبي محمد=فكادت عيوني أن تسيل وتطلعا*



*وزادت هذه الأبيات من لوعته وأضرمت نيران الحب في قلبه فكتب **إليها**: *


*سلام الله من بعد البعاد=على الشمس المنيرةِ في البلادِ*


*سلام الله يا هندُ عليك =ورحمته إلى يومِ التنادي*

*وحقِّ الله لا ينساك **قلبي=إلى يوم القيامةِ يا مرادي*


*فرقّي وارحمي مضنى كَئيبا=فبشر صار ملقى في **الوسادِ*


*فداوي سقمه بالقرب يوماً=فقلبي ذابَ من ألم البعادِ*



*لكن جرحها كان أكبر من أن تبلسمه الكلمات وفضيحتها كانت أوسع **من أن
تحصرها الزفرات فردت عليه تقول**: *




*سلامُ الله من شمسِ البلاد=على **الصبَّ الموسد في المهادِ*


*فإن ترجُ الوصال وتشتهيه=فأنت من الوصالِ على بعادِ*


*فلست بنائلٍ منّي وصالاً=ولا يدنو بياضك من سوادي*


*ولا تبلغ مرادك من **وصالي=إلى يوم القيامةِ والتنادي*




*فلما وصل إليه الكتاب **إمتنع عن الطعام والشراب حتى إشتدت علّته وكانت له
أخت تواسيه فطلب منها أن تأتيه **بهند.*

*فلما علمت هند بأنه على آخر رمق من الحياة سارت معها إليه فوجدته يقول**: *


*إلهي إني قد بُليت من الهوى=وأصبحتُ ياذا العرش في أشغل الشغلِ*


*أكابد **نفساً قد تولّى بها الهوى=وقد ملّ إخواني وقد ملّني أهلي*


*وقد أيقنتْ نفسي بأني **هالكٌ=بهندٍ وأني قد وهبتُ لها قتلي*


*وأني وإن كانت إلي مُسيئة=يشقُّ عليَّ أن **تعذّب من أجلي*




*فبكت هند وبكى معها كل من كان حاضراً وأنشدت**: *


*أيا بشر حالك قد فنى جسدي=وألهب النار في جسمي وفي كبدي*


*وفاض دمعي **على الخدين منسكبا=وخانني الدهر فيكم وانقضى رشدي*


*ما كان قصدي بهذا الحال **أنظركم=لا والذي خلقَ الإنسانَ من كمدِ*



*فما سمع كلامها أوما إليها **وأنشد**: *


*أيا هند إذا مرّت عليك جنازتي=فنوحي بحزنٍ ثم في النوح **رنّمي*


*وقولي إذا مرّت عليك جنازتي=وشيري بعينيك عليَّ وسلّمي*


*وقولي رعاكَ **اللهُ يا ميَّتَ الهوى=وأسكنكَ الفردوسَ إن كنتَ مسلم*


*ثم شهق **شهقة وفارقت روحه الدنيا فلما رأته إرتمت عليه وأنشدت **:*



*أيا عينُ **نوحي على بشر بتغرير=ألا ترويه من دمعي بتقديرِ*


*يا عينُ أبكي من بعد الدموعِ **دما=لأنه كان في الطاعات محبورِ*


*لفقدِ بشرٍ بكيتُ اليومَ من كمدٍ=لا خير في **عيشةٍ تأتي بتكديرِ*


*ألقاك ربك في الجناتِ في غُرَفٍ=تلقى النعيم بها بالخير**موفورِ*



*ثم ألقت بنفسها عليه وحركوها فإذا هي ميتة فغسلوهما **ودفنوهما **مع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصة الزير سالم الحقيقيه